رحلة في ذكريات المجاهد


جلسة تاريخية بالنادي الإذاعي
رحلة في ذكريات المجاهد
مجيد هو تاريخنا، وغني بأحداثه لكنه قاس بوقائعه، ومن لا ماضي له لا مستقبل له. ولحسن حظنا نحن لا تزال بعض الذاكرات الحية بيننا، ويا حبذا أن تستغل قبل أن تندثر من بين أيدينا.

على وقع ذكريات شهر فيفري أيام الثورة التحريرية المجيدة التي نسجت وقائعها بدماء الشهداء بولاية تيارت على غرار كل شبر من أراضي وطننا الحبيب، كان لجريدتنا "الحياة اليوم" شرف الحضور في جلسة تاريخية بدار الإذاعة بتيارت، مساء الأمس، والتي جمعت الدكتور "محمودي بشير" (أستاذ بجامعة ابن خلدون في اللغة والأدب ونائب مدير الجامعة سابقا –تيارت، عضو لجنة اعتماد الكتاب المدرسي بوزارة التربية الوطنية وناشط وباحث بالمعهد الوطني للبحث في التربية، أيضا عضو اللجنة الوزارية لتقريب الجامعة من المؤسسات بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وكذا نائب رئيس جمعية الأمير عبد القادر التاريخية –فرع تيارت) والمجاهد الكبير، السيد "قلايلية محمود" رفقة ابنه "بوعلام" الذي يتكفل بإيصال شهادات والده، كما كان حاضرا السيد "بن علي محمد" ابن المجاهد الراحل "بن علي الطيب" المعروف بالاسم الثوري "مجدوب" إضافة إلى أستاذ التاريخ، السيد "كراك عبد القادر".
كان الحديث في صلبه عن المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي التي عرفتها المنطقة وخاصة الأحداث التي شهدتها إبان ثورة التحرير المجيدة، ليقص على مسامعنا الحاج "محمود" ما عايشه تلك الأيام وعن اتحاد سكان المنطقة ومقاومتهم، وبكى بشدة إثر استرجاعه لوقائع المعارك التي خاضها وخاصة تلك التي كانت بتاريخ الثالث عشر (13) فيفري 1959، أين توغلت قوات الاستعمار بالمنطقة من أجل الاستكشاف، لتتشابك مع المجاهدين في معركة "جبل غزالة" جرح على إثرها المجاهد جراحا بليغة على مستوى ظهره واخترقت فخذه شظية ظل ملقا على الأرض مدة ثمانية (08) أيام، فقد وعيه باليوم الثاني، ليتم انتشاله من طرف سكان "دوار قريب" أين خضع للعلاج بوسائل بدائية آنذاك، ويقول كنت أراهم كيف يجمرون السكين على النار وينتزعون الشظية مني دون تخدير وأنا أحس بالألم... ليست خسارة أجسامنا ولا أرواحنا فداءا للوطن... ولا نزال مستعدين للكفاح من أجل الجزائر... (ويبكي المجاهد حرقة)... ويقول: "لوكان ينوضو الشهدا يقولونا وين راهي الأمانة لي خليناهالكم؟"، ليواصل حديثه عن كمين 23 مارس 1959 بجبل "تميكسي"، الذي أعده المجاهدون لقوات الاستعمار، أين هزموا فرقة الجيش الفرنسي وأخذوا السلاح وصندوقين (02) من الذخيرة.


المجاهد "قلايلية محمود" من مواليد سنة 1942 بمدينة عين الحديد – فرندة – تيارت، (تحت قيادة النقيب "بن قلاز" من شعبة الديس وذو خبرة بالحرب لمشاركته بحرب الهند الصينية)، ضمن كتيبة كانت تتكون من ستة وثلاثين مجاهد (36) بداية الثورة التحريرية ليتبقى منها ثمانية عشر مجاهدا (18) أيام الستينيات، من بينهم المجاهد "بلقاسم يحيى" ابن مدينة عين الحديد الذي لا يزال على قيد الحياة.
ثم فتح النقاش بين الدكتور "محمودي بشير" والأستاذ "كراك ع.ق" حول البحث في تاريخ الثورة الجزائرية بمنطقة تيارت، التي كانت ناشطة في كل شبر من ترابها، لكن ينقص توثيق الوقائع، ليشير الدكتور محمودي لأهمية هذه الذاكرات الحية عبر المجاهدين لذين لازالوا قيد الحياة، وضرورة استغلال شهاداتهم الحية التي تبعد الملابسات حول الأحداث والروايات المتناقلة.
من جهته السيد "بن علي محمد" والذي يعمل على تصوير مقاطع فيديو من أجل توثيق شهادات حية للمجاهدين، قدم صورة حصرية لوالده المجاهد المتوفي "بن علي الطيب" (المعروف بالاسم الثوري "مجدوب") ضمن مجموعة من المجاهدين خلال التحضير للثورة الجزائرية بمنطقة تيارت، أين يظهر فيها المجاهد "عبد العزيز بوتفليقة" -رئيس الجمهورية الجزائرية حاليا- والذي كان مشرفا على تدريب الكتائب على الأسلحة الجديدة. إضافة إلى مقاطع فيديو لوالده المرحوم "بن علي الطيب"، صورها قبل وفاته، يروي فيها معايشته لوقائع الثورة التحريرية بدلائل خلال أيام وطنية سابقة.


كان النقاش متميزا وشيقا، أين انتقل بأطراف الحوار إلى كيفية إيصال هذا الإرث التاريخي إلى الأجيال، من أجل غرس الوطنية وحب الوطن لديهم، فكان للأستاذ "كراك" التدخل بضرورة انتقال تلقين المعلومة للناشئة الرواية إلى الدراية وذلك بإقحام التلاميذ أو الطلبة في الدروس والاستشهاد بسندات حية وملموسة أكثر منها مكتوبة ومملة للمتلقي كائنا من يكن واستشهد في حديثه بالرسالة الإلهية إلى الأنبياء لإقناعهم من خلال تجارب عايشوها، وهذا ما يتعامل به مع تلامذته من خلال إخراجهم في رحلات إلى أماكن أثرية وكذا اقحامهم في وضعيات تلهم خيالهم لتصور وقائع ثورية أو تاريخية تساعد على تحبيب التلميذ وتشويقه لتلقي المعلومة ما يؤدي إلى ترسيخها في ذهنه، بدلا من الالقاء الممل للدروس والذي أدى كما نلاحظ في الأوساط التربوية والتعليمية إلى نفور التلاميذ والطلبة من العلم والتعليم.

وقد أضاف الدكتور "محمودي بشير" عن مقترحاته لدى وزارة التربية الوطنية، بصفته من ذوي الاختصاص في البحث في التربية واعتماد الكتاب المدرسي، حول تغيير مناهج تلقين الدروس إلى الاستشهاد بوسائل سمعية بصرية أي مقاطع فيديو عن كل درس خاصة في المواد الجافة والأدبية وحتى تنظيم رحلات ميدانية دورية من أجل تحبيب وترغيب الناشئة في الدروس والمقررات، كون تيارت وبصفة خاصة، غنية بالمعالم التاريخية والأثرية.
وفي الأخير استحب الجميع فكرة توثيق الشهادات الحية للمجاهدين وإيصالها إلى الناشئة في انتظار استجابة السلطات المسؤولة، ويا حبذا لو تطبق هاته الأفكار.
                                                                                    ش.وداد

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.